من قصص الإيثار عند العرب.. قصة كعب بن مامة
--------------------------------------------------------------------------------
خرج كعب بن مامة الإيادي في قافلة ومعهم رجل من بني النمر وكان ذلك في حر الصيف القائظ, فضلوا الطريق في يومٍ حامي الوطيس لافح الحر, وشح ماؤهم كثيرًا بحيث لم يبق لديهم منه إلا القليل, فأخذوا حين يشربون يقتسمون الماء بينهم بالحصى, وذلك أن يُطرح في الإناء حصاة ثم يُصب فيه من الماء بقدر ما يغمر الحصاة, فيشرب كل واحد منهم قدر ما يشرب الآخر ولما دار الوعاء بينهم حتى انتهى إلى كعب بن مامة رأى كعب الرجل النمري يحد نظره إليه فآثره بمائه وقال للساقي: اسق أخاك النمري بدلا مني.
فشرب النمري نصيب كعب من الماء ذلك اليوم. ثم نزلوا من الغد منزلهم الآخر وتساقوا بقية مائهم على الوجه عينه, ولما انتهى الإناء إلى كعب بن مامة نظر إليه النمري كنظره إليه أمس فقال كعب للساقي: اسق أخاك النمري بدلا مني.
وارتحل القوم إلى أن اقتربوا من الماء ولكن كعبًا قبل وصوله إلى الماء تعب ولم تكن له قوة على النهوض فقالوا له: يا كعب, قد اقتربنا من الماء فانهض ورِده إنك وارد.
ولكن كعبًا عجز عن الجواب وحاولوا أن يستنطقوه فلم يستطيعوا لأن قواه قد خارت وعزيمته قد اضمحلّت وأخذ يلفظ أنفاسه الأخيرة وإيسوا منه فخيموا عليه بثوب يمنعه من السبع أن يأكله, ومات ولكنه أصبح بإيثاره مضرب الأمثال.
تاريخنا بأسلوب قصصي ص 52
قال أبوه يرثيه:
اوفى على الماء كعب ثم قيل لهرد كعب انك وراد فمـا وردا
ماكان من سوقة اسقى على ظماخمرا بماء إذا ناجودها بـردا
من ابن مامة كعب ثم عى بـهزو المنيـة الا حـرة وقــدا
وفيه أكثر الشعراء وصفهم, وتداولوا اسمه عندما يذكرون الجود حيث يضربون فيه المثل.
الجدير ذكره أن كعبًا هذا يعده البعض أجود العرب على الإطلاق, وقدموه على حاتم الطائي, بدعوى أن حاتمًا كان يجود بماله, بينما كعب كان يجود بماله وبنفسه.
ولابد من ذكر أن كلا من كعب بن مامة الإيادي وحاتم الطائي أسرتهما قبيلة عنزة, ويقال في الأمثال: ( أكرم من أسيري عنزة ) وهذا المثل ذكره الميداني في مجمع الأمثال.
وذكر عن المثل ( هكذا فصدي ):
أن أول من تكلم به كعب بن مامة. وذلك أنه كان أسيراً في عنزة فأمرته أم منزلة أن يفصد لها ناقة فنحرها، فلامته على نحره إياها، فقال: هكذا فصدي!!! يريد أنه لا يصنع إلا ما تصنع الكرام.